8 مارس
(1)
هذا اليوم يذكرنا بالتاريخ النضالى الطويل للنساء فى كل أنحاء العالم، والذى بدأ منذ عام 1856، عندما خرجت آلاف النساء فى شوارع نيويورك للاحتجاج على الظروف اللا إنسانية التى أجبرن على العمل فيها، مما دفع المسؤولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جدول الأعمال اليوم.
ففى 8 مارس عام 1908 عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد فى شوارع مدينة نيويورك يحملن شعار «خبز وورود» فى خطوة رمزية للمطالبة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الانتخاب، وكانت هذه المسيرة بداية حركة نسوية داخل الولايات المتحدة بعد انضمام نساء من الطبقة المتوسطة للمطالبة بالمساواة فى الحقوق، منها الحقوق السياسية وعلى رأسها الحق فى الانتخاب.
(2)
وتوالت الاحتفالات من ألمانيا والدنمارك وسويسرا والنمسا باليوم العالمى للمرأة فى 19 مارس ابتداء من عام 1911، أما المرأة الروسية فبدأت تحتفل بهذا اليوم كل أحد من فبراير منذ عام 1913، وفى عام 1917 اشتعلت الاحتجاجات النسوية فى روسيا من أجل «الخبز والسلام». فتم تغيير تاريخ الاحتفال بيوم المرأة ليوافق تاريخ 8 مارس، حيث منحت الحكومة المؤقتة حينها المرأة الروسية حق التصويت، ومنذ ذلك الحين أخذ يوم المرأة بعداً عالمياً جديداً فى البلدان المتقدمة والبلدان النامية على حد سواء.
(3)
وبمناسبة هذا اليوم العالمى نؤكد أن تاريخ المرأة المصرية يمتد لآلاف الأعوام، ومعظمه مازال قابعا فى مخطوطات وكتبٍ لم تقرأ، مما يدل على أن مسيرة المرأة المصرية لاتزال مجهولة أو مهمشة، والمفارقة أن المكتوب بلغات أجنبية عن المرأة المصرية والعربية يفوق بكثير المكتوب باللغة العربية.
إن إضاءات كثيرة تشع من مسيرة المرأة المصرية عبر العصور، منذ الحضارة المصرية القديمة التى كانت المرأة فيها إلهاً للسماء وليست الأرض «نوت»، وانتشرت عبادة إيزيس فى مصر كلها وفى الإمبراطورية الرومانية فيما بعد، لأنها عقيدة مفعمة بالسمو والتضحية والوفاء والإصرار، ومع ذلك فتاريخ مصر القديم صراع طويل بين الملوك والملكات، وكتب من وجهة نظر المؤرخين الرجال، وارتبط وضع المرأة واحترامها فى كل عصر بمدى ازدهار أو انحدار هذا العصر.
(4)
ولعل نماذج عقود الزواج فى منتصف القرن السابع عشر تدلنا على قدرة المرأة لفرض شروطها ومطالبها باعتبارها تندرج تحت الحقوق الشرعية للمرآة آنذاك، ومنها: «ألا يمانع الزوج فى اشتغالها بالتجارة، وأن تكون العصمة فى يدها، ولا تمنع من الحج متى شاءت، وألا يتزوج عليها أو تقتنى الجوارى، والحق فى زيارة الأقارب والمعارف والأصدقاء فى بيوتهم واستقبالهم فى بيت الزوجية»، هذه العقود مسجلة فى محكمة القاهرة الشرعية، وهى لا تخص الطبقة العليا فقط وإنما كل الطبقات، وإذا حدث ولم ينفذ الزوج هذه الشروط أو بعضها تذهب الزوجة وتشتكى عند القاضى.
(5)
لقد حدثت تغيرات كثيرة على الأنساق القيمية والاجتماعية المصرية، ما جعلها منظومة غير متجانسة عبر العصور، فتداخلت وتشابكت هذه الأنساق (النسق الزراعى فالنسق الإسلامى فالنسق القيمى البدوى «الوافد على مصر من هجرات متتالية من الجزيرة العربية»، النسق القيمى المملوكى التركى، النسق القيمى المرتبط بمشروع محمد على الحديث)، ففى الوقت الذى تعلن فيه مصر أن عام 2017 هو عام المرأة، تشتد الفتاوى بضرورة ختان البنات وتعدد الزوجات وتشجيع زواج القاصرات، وارتداء النقاب، والاحتجاج على تعيين المرأة «محافظاً» لأول مرة فى تاريخ مصر. نحن نحتاج إلى تكاتف كل الجهود لصد الهجمة الشرسة على النساء وحقوقهن، وكذلك البدء فى تطبيق منظومة قيمية واجتماعية تنتصر لقيم العدالة والمساواة بين الجنسين.