حكاية محمود مرسي المثقف الزاهد "ورافض الابتذال".. وكيف تحوَّل من الإخراج للتمثيل

"أشعر بالسعادة لأنني رفضت المشاركة بلا تردد في أعمال كثيرة هابطة"، هكذا لخص الفنان المصري الراحل محمود مرسي علاقته بالمهنة التي منحها عمره ووجدانه.

رحلة فنية امتدت لعقود، وقف فيها شامخا، مدفوعا بإيمانه العميق بقيمة الفن ودوره في المجتمع".

محمود مرسي الذي تحل ذكرى وفاته الخميس 24 أبريل، ولد في الإسكندرية عام 1923، بدأت ملامح شغفه بالثقافة والمعرفة مبكرًا، فقد درس الفلسفة، ثم قرر التخصص في الإخراج السينمائي بمعهد “إيديك” في فرنسا، وبعدها عمل في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" بلندن، إلا أن صعوبات العمل الإخراجي وقتها دفعته للعودة إلى السينما، حيث وجد ضالته الحقيقية.

كشف المخرج محمد فاضل عن كواليس في مشوار الفنان الكبير الراحل محمود مرسي، وقال خلال لقاء متلفز، إن مرسي اتجه في البداية للإخراج، إلا أن ظروف تصوير المسلسلات في تلك الحقبة كانت شاقة للغاية بسبب غياب تقنيات المونتاج، ما دفعه للابتعاد عن هذا المجال، ليبدأ لاحقًا رحلة مميزة في عالم السينما.

وأشار فاضل إلى أن مرسي كان رافضًا في البداية لفكرة التمثيل التلفزيوني، إلا أنه تمكن من إقناعه بالمشاركة في أحد المسلسلات مع بدايات استخدام الألوان، وعن تلك التجربة، قال: "كان وقتها نجم سينما كبير، لكنه اقتنع بالدور وأُعجب به، فقرر أن يخوض التجربة".

ووصف فاضل محمود مرسي بأنه ممثل مثقف وموهوب، يتمتع بحس فني عال، وكان يتعامل مع النصوص بحرفية، يترك فيها مساحة بسيطة للإبداع أثناء التصوير.

محطات خالدة

على الشاشة الكبيرة، قدّم محمود مرسي شخصيات لا تنسى في أفلام شكلت جزءًا من ذاكرة السينما المصرية.

من "الباب المفتوح" و"الليلة الأخيرة" مع فاتن حمامة، إلى "طائر الليل الحزين" و"سعد اليتيم"، ومرورًا بأعمال خالدة مثل "السمان والخريف"، "شيء من الخوف"، و"زوجتي والكلب"، ستة من أفلامه اختيرت ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية حسب استفتاء النقاد عام 1996.

جوائز وتكريمات

لم تكن الجوائز غاية محمود مرسي، لكنها جاءت كاعتراف بموهبته الفريدة، فحصد جائزة أفضل ممثل عن "الليلة الأخيرة" عام 1964، وأخرى عن "شيء من الخوف" عام 1969، بالإضافة إلى تكريمه في مهرجان الفيلم الروائي عام 1998.

شروط صارمة

فرض محمود مرسي على نفسه شروطًا صارمة في اختياراته، وكان يرفض تكرار القضايا أو أداء شخصيات مكررة، أما الأعمال التي كان يصفها بـ"أكل العيش" فكانت من المحظورات عنده.

وعلى عكس التيار وقتها كان جريئًا في آرائه، وقال وقتها بكل قوة في حوار نادر إن أحمد عدوية فنان حقيقي يعبر عن الشارع المصري، ورأى أن لكل بيئة ثقافتها وأغانيها التي يجب أن تحترم.

علاقته بالإعلام

عرف محمود مرسي بابتعاده عن الإعلام، وكان يرى أن التواصل الحقيقي مع الجمهور يتحقق من خلال الأعمال الفنية، لا عبر الحوارات المتكررة، ويقول: "أنا لست من هواة الأحاديث المنشورة ولا أفضلها لأن الكلام فيها دائمًا مكرر ومعاد والإجابة فيها دائمًا لا تتغير، ثم ماذا هناك من جديد لأقوله؟! واتصال النجم أو الفنان بجمهوره يأتي عن طريق العمل في المقام الأول.

رحيل هادئ

رحل "مرسي" بهدوء يليق بتاريخه في 24 أبريل 2004، بعد أن أنهى آخر مشاهده في مسلسل "وهج الصيف"، أوصى بأن يدفن دون ضجيج إعلامي في مقابر أسرته بالإسكندرية، ليظل حضوره الأصيل خالدا في ذاكرة الفن.

 

التعليقات